كتب كمال طبيخة أن قرى مصر تشهد موجة غضب واسعة بعدما رفعت وزارة الأوقاف إيجارات الأراضي الزراعية بنسب تُربك ميزانيات الفلاحين وتضاعف أعباءهم.
عرضت صحيفة ذا ناشيونال تفاصيل التحول من مفهوم الوقف الخيري إلى نهج اقتصادي يستند إلى تعظيم العائد من أصول الدولة.
قفزات غير مسبوقة في الإيجارات
ينقل التقرير أن السلطات رفعت إيجارات الأراضي الوقفية في مختلف المحافظات بنسب تصل أحياناً إلى الضعف أو ثلاثة أضعاف، ما أثار احتجاجات بين الفلاحين الذين اعتادوا طوال عقود دفع رسوم رمزية.
يشير التقرير إلى أن الوزارة تبرر الزيادة بالرغبة في مواءمة الإيجارات مع القيمة السوقية، خصوصاً بعد سنوات من التضخم وتراجع العملة. ويوضح المتحدث باسم الوزارة، أسامة رسلان، أن هدف الأوقاف هو “تحقيق أفضل استفادة من الأصول” لا الاكتفاء بدورها التقليدي ككيان إداري يوزّع العوائد على أعمال الخير.
تُظهر الأرقام أن أعلى إيجار قبل سنوات كان لا يتجاوز 1,800 جنيه للفدان، بينما وصل في الموسم الماضي إلى 18 ألفاً، قبل أن يقفز هذا العام إلى 55 ألف جنيه في بعض مناطق الدلتا. وترى الوزارة أن التفاوت بين المحافظات يعكس جودة التربة وتوافر المياه، ما يبرر اختلاف التسعير.
جدل بين الرسالة الخيرية والنهج الربحي
يستعرض التقرير تصاعد الجدل بين الفلاحين الذين يعتبرون أراضي الأوقاف “مال الله”، وبين الوزارة التي تتعامل معها كموارد اقتصادية يجب استثمارها بكفاءة.
يقول حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، إن الزيادات “تثقل كاهل المزارعين وتتناقض مع جوهر الوقف الذي يهدف إلى تخفيف الأعباء لا مفاقمتها”. ويضيف أن مقارنة إيجارات أراضي الوقف بأسعار الأراضي الخاصة “لا تعكس عدلاً”، لأن المزارعين هم الذين طوّروا هذه الأراضي عبر سنوات من العمل، بينما يعاملهم النظام الجديد كمتلقين لسوق تجارية بحتة.
يشرح التقرير أن التغيير داخل الوزارة جاء بعد إعادة هيكلة واسعة أدخلت قيادات بخبرة استثمارية، ومنها الدكتور خالد الطيب، ما سمح بتطبيق ما وُصف بأنه “منطق القطاع الخاص” على مؤسسة دينية. ووفقاً للصحيفة، تعتمد الوزارة الآن تصنيفاً رباعياً لجودة الأراضي، من الممتاز إلى الضعيف، مع ربط الإيجار بالإنتاجية والموقع، بهدف ضبط العقود القديمة التي أدت إلى “هدر ثروة الوقف”.
توتر اجتماعي ومخاوف ريفية
يرصد التقرير حالة خوف تنتشر في الريف، إذ يخشى كثير من المزارعين فقدان الأراضي التي عاشوا عليها عقوداً. يقول وسطاء عقاريون في دلتا النيل إن ارتفاع تكاليف المعيشة والأسمدة والمياه يجعل أي زيادة مفاجئة في الإيجار ضربة قاسية للأسر.
يكشف التقرير أن جزءاً من الأزمة يعود إلى علاقة مضطربة وغارقة في الشك بين الفلاحين والوزارة، إذ يخبر أحد الوسطاء، محمود عامر، أن الفجوة توسعت بعد اكتشاف الوزارة عملية تسوية غير رسمية كان بعض المستأجرين الأكبر يستأجرون الأراضي بسعر مدعوم ثم يؤجّرونها لغيرهم بأسعار السوق. أدى ذلك إلى فقدان الوزارة الثقة في المستأجرين، بينما فقد الفلاحون الثقة في مسؤولي الأوقاف الذين يتهمهم البعض بسوء الإدارة وغياب الرقابة.
يعترف آخرون بأن بعض المستأجرين الأكثر قدرة يمكنهم دفع الزيادات، لكن رفع الأسعار فجأة “يغير حياة آلاف الأسر بين يوم وليلة”. ويقترح كثيرون اعتماد الزيادة التدريجية أو مراعاة الحالات الأكثر فقراً، خصوصاً أصحاب الحيازات الصغيرة.
يشير التقرير إلى أن بعض النواب تعهّدوا بإثارة المسألة داخل البرلمان، معتبرين أن الإصلاحات يجب أن تراعي ظروف المستأجرين الذين يعيشون على هذه الأراضي منذ عقود.
حدود الوقف… وأزمة تعريف
يوضح التقرير أن الأزمة الحالية تكشف تناقضاً عميقاً في مفهوم الوقف. فالقانون يعتبر الوزارة وصية على أملاك خيرية، لكن الدولة تتجه في السنوات الأخيرة إلى تحويل الأصول العامة إلى موارد تجارية. ويخلق هذا التباين صراعاً بين من يرى الوقف مؤسسة يجب أن تبقى خارج السوق، ومن يرى ضرورة استغلاله ضمن سياسة اقتصادية أوسع لمواجهة الضغط المالي.
يرى التقرير أن الجدل حول “هل يجوز لأرض الله أن تُدار بمنطق الربح؟” يتجاوز الأرقام واللوائح، ليصل إلى لبّ العلاقة بين الدولة والمجتمع الريفي. وفي القرى المنتشرة على ضفاف النيل، يعتبر كثير من العائلات أن مستقبلهم يتأرجح الآن بين منطق السوق ومنطق الرحمة.
بهذه الصورة، تعكس القضية، وفق ما يعرضه التقرير، لحظة فارقة في علاقة الدولة المصرية بمؤسساتها الوقفية، وفي الطريقة التي تُعاد بها صياغة معنى “الملكية الخيرية” داخل اقتصاد يضغط على الجميع.
https://www.thenationalnews.com/news/mena/2025/12/10/egypts-awqaf-faces-backlash-over-steep-rent-rises-on-agricultural-land/

